هل تصبح "زاوية" مكاناً للإلتقاء؟
جلسة دامت خمسة ساعات متصلة كان رفيقي فيها كوب "لاتيه" بارد وقطعة حلوة،
التهمت فيها ٣٠٠ صفحة دون توقف...
ما أن انتهيت حتي أحسست أن عقلي تناول وجبة دسمة مثيرة للجدل تطرح العديد من التساؤلات وتختبر مصداقية الكثير من المسلمات.
أتحدث هنا عن العدد الاول التجريبي لمجلة زاويةوهو إصدار باللغة العربية والإنجليزية عن العمارة والتصميم والعمران الحضري.
لفظ "زاوية" له معاني متعددة؛ مدرسة أو مكان لتلقي العلم .. هندسياً هي ناتج التقاء شعاعين وبصرياً هي رؤية لجانب معين أو وجهة نظر .. معاني متعددة تدور حول فكرة واحدة وهي "مكان الإلتقاء".
الفترة الحالية هي خليط من حديث ثقافي مجتمعي وسيطرة لقيم ثقافة الاستهلاك وتغيير في شكل الخطاب المحلي ورغبة في خلق حوار محلي عالمي أملا في الوصول لحلول مجتمعية فيها خصوصية محلية وتواكب التغييرات العالمية.
يحمل العدد الاول التجريبي لمجلة زاوية عنوان:تغيير zawia#00:Changeويحاول إعادة قراءة مهنة التصميم في سياق التحولات الحالية بدءا من الأزمة الاقتصادية مرورا بالثورات ويطرح تساؤل محوري: هل الوقت مناسب لإعادة الرؤيا في دور المعماري - المرتبط برأس المال – والسعي للتحرر من سطوة رأس المال والعمل مع مبادرات قائمة؟
يدور العدد حول أربعة محاور رئيسية متصلة بتيمة "تغيير":
١. كيانات متغييرةويشمل الرمزية المعمارية السياسية والتراث العمراني وإعادة التأهيل والإستخدام.
٢. من يبني مدننا ويشمل المشاركة الشعبية والسياسات العمرانية والمسابقات المعمارية والمناطق العشوائية.
٣.اسمي ثورةويشمل الثورة والسياسة والممارسة المعمارية.
٤.المجتمع العالمي/الشبكات الاجتماعية ويشمل التقنيات الحديثة وشبكات التواصل الإجتماعي والعناصر العمرانية.
تظهر هذهالمحاور في٢٧ مقال هم:
الديوانية. جوزيف جريما ,ماركوس مايسين و إيليان ستيفا
الشارع العالمـــي : صنع السياســـة. ساسكيا ساسِن
بلا عنوان.ج.لا
برلين ليست ابداً برلين. مارتن أبوتّ
مشروع 1984.ناتالى فرانكوفسكى و كروز جارسيا
مدن البحر الأبيض المتوسط ، و الانجراف نحو الليبرالية الجديدة والثورات.سَلفاتوري بالّيدّا
ما بين الأقطار.لوريس سافينو و ماركو دى نويا
العمارة و الجغرافيا السياسية اليوم. حوار مع ستيفانو بويرى
المعركة. جيروه سوليوه
المدينة الرمادية.بيير باولو تامبوريللى
التغيير: العمارة والهندسة في الشرق الأوسط.حسن رضوان
إعادة - إستخدام.إيزابيلّا إنتى
تعزيز مكانة المهاجر. كوينتن سايك
مكانـة المعمارييــــن و عمـــارة مــــكان. محمد الشاهد
تغيير: مقالة تصوير فوتوغرافى.فيلليبو رومانو, جيوفانّا سيلفا و فرانشِيسكو جوستى
من السيطرة على التغييـــر إلى التكُّيــف معه. أحمد برهـــام
الإسكان ضد المواطنة.يوفان ايفانوفسكي و أنا إيفانوفسكا
بـــلا مــــــأوى. دينا مجدى
صحراء المدينة.ميلان زلاتكوف
ميدان التحرير: عودة إلى الفراغات العامة.نهير الجندى
تخطيط المدن تنازلياً / تصاعدياً.نشيد نبيان و كارلو رتّى
فَكِّــر فيما لا يمكن تصوره ! فَكِّــر 2050!دانييل دِندرا
فيض من التغيرات الصغيرة.نيكولو جوبينى
تغييــــر جــــذري في الإدراك. ميريديث هاتشيسون
كلمة الشارع.جمال الدين صادق
الصومال : تشريح معمارى. زين أبو سير
(ما بين المعارضة و الاغلبية).حوار مع ماركوس مايسين
قبل تحليل العدد يجب أن نتحدث سريعا عن النشر المعماري في مصر. المراجع للنشرالمعماريفي مصر والشرق الأوسط يمكن أن يرصد بدايته مع ظهور مجلة العمارة والفنون علي يد المعماري سيد كريم في ١٩٣٩ ثم تلاها ظهور حوالي ١٤ مجلة منها مجلة نقابة المهندسين المصرية ومجلة جمعية المهندسين المصرية ومجلة دنيا المباني ومجلة معمار (مجلة جمعية المهندسين المعماريين المصريين) ومجلة الفنون المعمارية ومجلة الحديقة ومجلة المنزل ثم ظهور مجلة البناء السعودي ومجلة عالم البناء، اختلفت تلك المجلات في المواضيع التي تتناولها وطرق العرض. هذا التنوع والثراء سمح لبعض المقالات المعمارية أن تجد لها مكان في المجلات والجرائد العامة الغير متخصصة.
ثم من أواخر التسعينيات بدأت تظهر الكثير من المجلات التي تخصصت في العمارة أو الفن أو الديكور أو التراث أو في مجالين أو أكثر من هذه المجالات، منها مجلة مدينة ومجلة مجاز ومجلة تراث ومجلة الراوي ومجلة أمكنة ومجلة البيت ومجلة مشارف ومجلة معمار الإيرانية ومجلة تصميم ومجلة مصر المحروسة ومجلة البناء العربي ومجلة العمارة والديكور …. الخ. اختلفت هذه الإصدارات في الشكل والمضمون تبعا للجمهور الذي تخاطبه، بعضها لازال يصدر والبعض الآخر لم يكتب له الاستمرار.
يمكن استقراء العدد التجريبي لمجلة زاوية في ضوء أربعة نقاط محورية:
المشاركة
ظهر مفهوم المشاركة مؤخرا بشكل موسع علي السطح، ربما لأننا نمر بفترة لا نمتلك فيها رفاهية العمل بشكل منفرد.
تسعي زاوية أن تكون منصة مفتوحة للمشاركة المعرفية للأفكار المعمارية ومناقشتها ونقدها لاختبار مصداقيتها وللوصول لرؤي مختلفة. فنري مفهوم المشاركة في أكثر من مقال في المجلة ولم يقتصر التناول علي الجانب الإيجابي للمشاركة ولكن تم تناول المفهوم بشكل نقدي في محاولة لإظهار الجوانب المختلفة له.
كذلك يُكمل كل من حفل إطلاق زاوية وساحة حوار (المنتدى الإليكتروني) هذه الحلقة التشاركية. فحفل إطلاق زاوية سواء في ميلانوأو في القاهرةهو حدث مفتوح للمتخصصين والعامة هدفه استكمال الحوار وفتح النقاش حول موضوع العدد والافكار المطروحة فيه، وتحديد اللقاء بعد اصدار المجلة بفترة هو توقيت مناسب لأنه يعطي فرصة لقراءة المجلة وبالتالي يثري النقاش. وعلي الجانب الآخر التعليق علي المقال الآن أصبح له نفس وزن المقال لذا أتمني أن تنجح زاوية في تفعيل المنتدى الإليكتروني الذي يعتبر ساحة حوار دائمة.
كما تهدف زاوية الى تمكين المصريين بكافة أطيافهم والمجتمعات من المشاركة في صياغة واقعهم المعماري والعمراني من خلال ورش عمل وندوات ثقافية مختلفة يتم فيها أيضا الوصل بين المتخصصين والأكاديميين وبين أفراد الشعب.
ولا يمكن إغفال آلية تحرير المجلة التي تتم بشكل تشاركي بين فريق مكون من خمسة محررين في ثلاث بلدان مختلفة.
التواصل وبناء الجسور بهدف سد الفجوة
السنوات الماضية كانت غنية بظهور مبادرات وأحداث ومعارض ومطبوعات عن عمارة وعمران مصر وبخاصة القاهرة؛ تتراوح بين انعكاسات علي الوضع الحالي ومناقشات حول المخططات المستقبلية، القليل من هذه المبادرات والمطبوعات استطاع أن يستمر بل وينمو ليتصل بالمبادرات والمؤسسات والمطبوعات الأخري.
في وقت الأزمات أعتقد أننا أمام أحد خيارين؛ إما أن نبدأ من حيث توقف الآخرين أو أن نهتم بسد الثغور عن طريق تحقيق الترابط بين المجالات الـ "ما بينيه" . الخيار الأخير جسر يربط المجالات المختلفة ويحاول إيجاد حلول في أماكن جديدة.
حل مشاكلنا الحالية قد يكمن في الكيانات الصغيرة النابعة من أفراد وليس حكومات في محاولة للتوصل لحلول فعالة لمشاكل مجتمعية مزمنة مثل مشاويروبيقولكوزاوية ومجاورةوالقاهرة من الأساسومباردة الحق في السكنوتكوين… وغيرها من الكيانات العديدة الموجودة الآن. المختلف في هذه الكيانات الصغيرة أنها بدأت تعمل مع بعضها وتستعين بجهود بعضها البعض للوصول لحلول بعد أن أثبتت الفترة السابقة فشل العمل بشكل منفرد مستقل.
تسعي زاوية لبناء مضمون يربط بين العمارة وبين مجالات عدة كالسياسة والاجتماع والجغرافيا بهدف الوصول لبُعد تنظيري معاصر للعمارة ويخرجها من العرض الدعائي. مما ساعد علي توسيع مجال النقد المعماري ليشمل لغة ذات مستوي أعلي ومواضيع جديدة تقدم صياغة جديدة لعلاقة النظريات المعمارية الحالية مع النظم السياسية والاقتصادية و التغيرات المجتمعية وبالتالي ربط تلك المجالات و إقحامهم في حوار شفاف انتقادي و بنّــاء.
تسعي زاوية للربط بين المجتمع المحلي والعالمي. فمن جهة تقوم زاويـــة ببناء جسور من التواصل وتبادل الخبرات مع المتخصصين من العالم الخارجي بعد عهود طويلة من العزلة بهدف التعرض الى الرؤى المختلفة لنفس الأوضاع والقضايا العمرانية التي يتعرض لها المجتمع العربي حالياً وكيف تم التعامل معها في الأماكن الأخرى من العالم. ومن جهة أخري تقوم بطرح الفكر العربي المعاصر على المجتمع المعماري العالمي وفي نفس الوقت دعوة المجتمع المعماري العالمي لطرح أفكاره و شرح رؤيته و خبراته على المجتمع المعماري المصري والعربي, و ذلك بهدف بناء جسور المعرفة و الترابط في مجال التصميم والعمارة والعمران بين العالم العربي والعالم بشكل عام وتوفير جو علمي محترف ومتنافس و بنّاء للنقاش والاختلاف.
زاوية ليست مجلة أكاديمية ولا مجلة تجارية أي أنها ليست من النوع النخبوي وفي نفس ليست جماهيرية تسعي بذلك للرابط بين المجال الأكاديمي وواقع الممارسة، ورفع درجة الوعى والثقافة المعمارية والتصميمية وبخاصة لدي الطلبة وأخيرا تطرح للشعب مواضيع مؤثرة في الحياة اليومية للأفراد على طاولة النقد والتحاور ما بين المختص والقارئ العام.
التقنيات الإلكترونية الحديثة
بدءا من إمكانية مشاهدة الأفلام التسجيلية المرتبطة بالمقال عن طريق مسح QR codeوصولا إلي النشر الإلكتروني الذي قد يكون سببه قلة الأعداد المطبوعة لكنه حقق انتشار واسع للعدد الأول.
التنوع
يظهر أولا في الاهتمام باللغة العربية واللغة الانجليزية علي حد سواء. ثم المحتوي المعاصر وثيق الصلة بتيمة العدد ووثيقة الصلة بالمجتمع مع مراعاة عدم التكرارية في مواضيع المقالات. كذا التنوع في خلفيات ومجال اهتمام الكتاب؛ باحثين وممارسين للمهنة اكاديمياً و عملياً ومن جنسيات مختلفة. والتنوع ما بين مقالات طويلة و قصيرة و المقالات الفوتوغرافية (المقال المصور) والفنية والأدبية القصصية والحوارات مع اختفاء فكرة المقال الرئيسي للعدد.
التنوع في إخراجكل مقال بشكل مختلف مع الاستعانة بصور أو رسومات وفي نفس الوقت تتكامل المقالات في إخراجها مع بعضها البعض. وذلك بعكس الغلاف البسيط الخالي من الصور. وأخيرا لم تجد الإعلانات لها مكان بالمجلة لأنها بتمويل ذاتي من محرريها.
أشار دكتور عمرو عبد القوي أن استدامة مجلة زاوية مرتبط بأن يكون هدفها الرئيسي هو خلق حوار ما بعد الإصدار وليس المجلة كمطبوعة في حد ذاتها.
هذا الرأي يعود بنا إلي فكرة زاوية "كمكان للإلتقاء" كما تناولناها في بداية هذه التدوينة، لو نجحت زاوية في أن تكون مكان للإلتقاء بكل ما تحمله الكلمة من معاني ستنجح بلا شك في تحقيق مفهوم الإستدامة الذي هو أول آفة تهدد أي مطبوعة معمارية.
هنا ستتحول الإستدامة من تجسيد يظهر في إطار مجلة إلي لبنة في مدرسة.
لم تكن هذه التدوينة نقد لمجلة زاوية … فهي وليد لم تكتمل ملامحه بعد سينمو بالتجربة وإختبار الحلول والتقييم .. لذا يمكن إعتبار هذه التدوينة إعجاب بتجربة بدأت بتمويل ذاتي وبشكل فردي أتمني لها ليس فقط الاستمرارية ولكن النضج.
ساختم بمقتطفات من خاطرة دينا مجدي المنشورة بعدد تغيير والتي تتكلم فيهاعنتجاهل المسئولية المجتمعية
سألت لم؟ ومن كان السبب؟
هل قريب صنع الألم؟ أم بعيد سمح به؟
أم من علم ولم يهتم؟ أم هم الكل معا.
(…)
الي قلوب قاسية .. وأعين .. لا تري.
إذا رأت، لم تعقل .. وإذا عقلت، لم تسأل.