الحيطة خط بين نقطتين ..
ربما يكون ضلع في فراغ أو حاجز بين مساحتين،
الحيطة خط فاصل واصل،
لكن أحيانا بيفصل بس أو يوصل بس ... وبين العزل والوصل تولد حياة أو تتوقف!
وبين الإحتياط والإحاطة تتباين أدوار حيطان وسط البلد.
عندما أتحدث عن الإحاطة .. أتذكر حيطان مقاهي وسط البلد، كم تمنيت يوما أن أصغي لحكايات حوائط وسط البلد بالذات حكايات حوائط جروبي، ربما ليقين أنها ستتحدث عن ابتسامات وأحزان وتأملات ... تحمل طعم مربي الورد ورائحة الكوروسون.
لكنني في هذه التدوينة لن أتحدث عن هذه الحوائط الصديقة، بل عن حوائط أخري احتلت وسط البلد لتحمل معني الإحاطة.
هي نموذج لكيفية تحول الحيطان من كيان للاحتواء إلي كيان لتشكيل الحدود وتأصيل العزلة... من كيان كاتم للأسرار إلي صرخة تحدي.
"في أوائل فبراير 2012 رسمت الشرطة العسكرية عددا من الخطوط الحمراء في المنطقة المحيطة بوزارة الدفاع، في ظل الخوف من اشتباكات عنيفة مع المتظاهرين (مع الانتقادات المتزايدة ضد سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة). مع كل مسيرة احتجاج إلى مقر الوزارة، كانت تغلق جميع الطرق المؤدية إلى المنطقة عند هذه الخطوط بالمتاريس والجنود المسلحين والأسلاك الشائكة، والمركبات العسكرية. وسبق ذلك جدران وحواجز من الكتل الخرسانية حول السفارة الإسرائيلية، ووزارة الداخلية و محيط ميدان التحرير.
تقسم وتشرح الفراغات العامة والمدنية.
تتحول المدينة الى مدينتان متوازيتان ... مدينة الشعب ... ومدينة السلطة."
وكتب أحمد بورهامفي ١٩ ابريل تدوينه بعنوان الممنوع علق فيها علي هذا الفيلم قائلا:
"الحواجز حولنا في كل مكان في القاهرة، توجه وتحكم تصرفات الناس، تحيط بهم كأنهم مرض معدي، تحاصر الحدائق كما لو كانت تحتاج لمن يحميها من الناس. أليس هناك نوع من رد الفعل تجاه هذه الحواجز؟ هل أصبحنا سلبيين تجاة ثقافة التحكم والممنوع؟
هل أصبحنا نحن المانعين فضلا عن كوننا الممنوعين؟ هل أصبحنا نقوم بدور حارس الحاجز حتى في غيابه؟"
تلا ذلك في ١٤ نوفمبر ٢٠١٢ ظهور عمل فني ينتقد هذه الجدران بعرضها بشكل مبالغ فيه لإبراز هذه العزلة، وهو عمل بعنوان نصب العبارات الطنانة للمعماري سمير الكردي بالتعاون مع مشروعات بريسنتر.
“A Monument of Buzzwords” (MOB) The Work of Artist Samir El Kordy is one of the exhibited works at PHOTOCAIRO 5.
ووصف المشروع كالتالي:
" من خلال مقترحا معماريا تخيليا تواجه وتتحدى الذات موقفها وقناعاتها، لتجترر نفسها في طرف القوى الفاعلة المواجهة لها، بتشييد نصبا تذكاريا، لا يعكس ذاتها، بل يردد وصفا خارجيا سلطويا لشكل ومبرر وجود ذلك النصب. يقوم هذا العمل بتصور نصباً تذكارياً تأمر بتشييده السلطات احتفاءً بثورة أطاحت بنظام تلك السلطات نفسها. يتكون النصب المقترح من سلسلة من الدروب بطول 20 كيلومترا والتي تفضي إلى بعضها البعض، وتقتفي فيها أثر شوارع رئيسية شهدت الحشود التي أحاطت بوسط المدينة. تتخذ هذه الدروب شكل جدار بارتفاع ٢٠ متراً وعرض ٥ أمتار يمتد بطول وبمنتصف الشوارع التي يخطّها ويشقها. يساير تشكيل هذا النصب التذكاري نسق واتجاهات الشوارع بما يتفق مع التخطيط العمراني للمدينة.
في قلب النصب التذكاري تنقطع صلة الزائر تماماً بالمحيط العمراني، فيتم اقتياده من تتابع إلى آخر ليمثل أنشطة تحيي ذكرى الشعب والأمة وقوتهما. هنا الممارسة المعمارية يتم تفعيلها خارج أطر قناعاتها الذاتية، بما يسمح بإدراك حالات يعوق فيها التمثيل إنتاج العلاقات بين الذاكرة وهيئتها، وبين التعبيرات اللغوية ومغزاها."
أخيرا كتب عمر طاهر ٩ مقالات عن شارع القصر العيني المغلق منها شوارع ـ الذي نشر في ١٩ أغسطس ٢٠١٣ـ وافتحوا «قصر العينى» يا ظلمة ـ الذي نشر في ٨ سبتمبر ٢٠١٣، حيث اقتتح عمر طاهر مقاله الأخير بقوله: "للمرة التاسعة أكتب الكلام نفسه، وسأظل أكتبه، لأن مأساة سكان وسط المدينة تتفاقم يوما بعد يوم. أكتب بالنيابة عن سكان منطقة وسط المدينة، وربما بالنيابة عن قطاع كبير من سكان العاصمة، وبالأصالة عن نفسى بما أننى من سكان شارع قصر العينى." واختتم المقال بكلمات منها: " الجدران تخنق العاصمة وتخنق أهل المنطقة."
تلا هذه السلسلة من المقالات فيلم قصير سيناريو وإخراج عمر طاهر بعنوان مشوار لحد الحيطة | الفيلم الذي أسقط جدار القصر العيني
والذي رأي النور في ٢ أكتوبر ٢٠١٣ قبل ساعات من إزالة أحد حيطان القصر العيني.
أخيرا مررت بالمصادفة في شارع القصر العيني يومي ٣٠ سبتمبر و٧ أكتوبر ٢٠١٣ وتحديدا أمام الجدار الأول عند بنزينة التعاون، إحساس غريب إنك تتوه في مكان تعرفه، إحساس غريب أن تكون في الشارع وتحس إنك محبوس بين أربع حيطان.
أخيرا مررت بالمصادفة في شارع القصر العيني يومي ٣٠ سبتمبر و٧ أكتوبر ٢٠١٣ وتحديدا أمام الجدار الأول عند بنزينة التعاون، إحساس غريب إنك تتوه في مكان تعرفه، إحساس غريب أن تكون في الشارع وتحس إنك محبوس بين أربع حيطان.